الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية منصف السويسي يتحدّث "بجرأة" عن تمجيده لبن علي وعن الباجي والغنوشي والمرض

نشر في  20 أفريل 2016  (11:38)

 نصافح في هذه المساحة من أخبار الجمهورية أحد أبرز المسرحيين في تونس، مبدع اختار أن يكون أسيرا لهاجس ثالوث رفض الانفصال عنه ويتمثل في التأسيس والتكوين والإبداع..
ضيفنا هو الفنان الكبير المنصف السويسي الذي قهر بفنّه الألم والمرض..وكعهدنا به لاح متفائلا ومشاكسا ومحبا للحياة.
 وفي هذا الحوار روى لنا ضيفنا عدة تفاصيل حول عشقه للمسرح وعن توقه لثورة حقيقية من قبل الانسان التونسي تنقذه من ثالوث العنقاء والغول و«العبيثة» التي تكتشفون معانيها تباعا..
كما حدثنا عن بن علي والمرزوقي والسبسي والعديد من المحاور الأخرى في هذه المصافحة..

- كيف يرى منصف السويسي الرابط بين حياته والمسرح؟
المسرح هو بناء إنسان حي يحمل فكرا نقديا، وإنسان متنور، في مشاعره رقة وفي أحاسيسه رهفة، وفي عقله حكمة وفي سلوكه آداب. وأعتقد بالنسبة لي أن مجتمعا بلا مسرح هو كمجتمع ميت يضم موتى بلا قبور..
المسرح هو الدليل المادي والمقياس والمعيار الأعمق لقياس رقي الشعوب وتقدمها. فنحن لا نقيس رقي شعب بقياس عدد المستشفيات أو بعدد المدارس ولا حتى بعدد مراكز الشرطة ولا السجون ولا المحاكم والإدارات والوزارات، وإنما نقيس رقيه بعدد المسارح وعدد المواطنين الذين يرتادونها بصفة متواترة ومتواصلة..
- وماهو تقييمك للوضع الراهن للأعمال المسرحية التونسية؟
غثّها أكثر من سمينها... بالنسبة لي لا تهمني الأعمال المسرحية بحد ذاتها وصانع المسرح لا يهمني إذا لم يجد شريكا متلقيا لفنه يكون على دراية كبيرة وتكوين عميق حتّى يتلقى هذا المسرح..
 فلا الحمير ولا البقر تستطيع تلقي المسرح، إنما الإنسان الذي تعلم أن يتلقى وان يتربى على التذوق الفني والمسرحي السليم، هو خير متلق للمسرح وروحه..
كما أن نكبة المسرح التونسي اليوم، تتمثل إمّا في ندرة وقلة إقبال الجمهور على المسارح، أو في إقباله الكبير على ما يقدم إليه باسم المسرح وهو ليس بمسرح..
- وهل تعتبر انّ دعم وزارة الثقافة للمسرح كاف لنتقدم به؟
دعم وزارة الثقافة للمسرح كما وُجد وكما يتكرّس إلى حد الآن هو في ظاهره رحمة وفي باطنه عذاب، فلكأنه رحمة وهو نقمة لأنه لا يستند إلى مقاييس ومعايير تهدف إلى الارتقاء بالمسرح ونشره بين الناس. وإنما يهدف إلى إسكات الأصوات المطالبة بالخبز المسرحي.
وهنا أقول انه إذا كان من حق هذه الأصوات «أكل الخبز»، فليس لها أن تأكله عن طريق المسرح إن لم تكن تريده مسرحا راقيا ورفيعا.. خاصة وان أغلب الأعمال المسرحية باتت تقدم لرجم الجمهور كما يرجم بالغيب بعد أن أصبحت في أغلبها أعمالا هابطة متدنية لا تساهم في بناء الإنسان ونفعه.
 وفي اعتقادي أن مشكل تونس اليوم -التي هي اكبر من مسرحها- رغم انه في الظاهر يبدو  اقتصاديا في مستوى معين أو سياسيا أو اجتماعيا، هو في الحقيقة يتعلّق بأن تونس لم تبن الإنسان.
- كيف ذلك؟
انّ المظاهر البشرية في تونس والتي تنمو بنسبة ديمغرافية تزداد كل سنة، تخفي للأسف وراءها حيوانات متوحشة ضارية لا تحمل قيم الخير.  لقد زرعوا فيها بذور الشر وجوّعوها وجهّلوها وتركوها لتخلّفها وانحطاطها، فإذا بها وحوش كاسرة تبحث عن الاستهلاك دون أي جهد أو مجهود تقوم به للإنتاج والعمل والتضحية وتعميق مواطنتها وتعميق قيم الخير فيها.. إذن فمشكل تونس اليوم هو مشكل الظلم والاستبداد والفساد..
- وكيف نقاوم هذا من وجهة نظرك؟
نقاوم هذا بالعدل، لابد أن ينتشر العدل لأنه كما قال ابن خلدون هو أساس العمران وهو عكس الظلم الذي هو يولّد الخراب الذي أصبحنا اليوم نعيش في حالة منه لا نستطيع مواجهتها إلا عبر ثورة ثقافية عميقة عامة شاملة جامعة في كل الميادين وعلى جميع المستويات..
كما لا بد من إعادة النظر والمراجعة الجذرية لكل أسس نمط عيشنا حتى تتغير عقليتنا، وبالتالي سلوكاتنا وننبري لبناء الإنسان. هذا الكائن العقلاني الروحاني العاطفي والشعوري المدرك لإنسانيته والمدرك انه منزلة بين منزلتين فهو ليس بشيطان وليس بملاك، هذا الإنسان الذي تستطيع نزعة الخير فيه هزيمة نزعة الشر  للإسهام في بناء الوطني والمحلي والإقليمي والدولي والكوني..
- لو تجسد لنا أهم المشاكل التي يتعرض لها المسرح في تونس اليوم؟
هو غياب الوعي لدى السياسيين فهم يعتقدون أن المسالة اقتصادية وسياسية فقط، متناسين أنها مسالة ثقافية فكرية تعليمية وتربوية بالأساس..
حيث انه من السهل أن تبني عمارة في شهر أو جسور وطرقات، لكن كيف تبني إنسانا وتكونه محبا للإنسان ولا يعتدي على أخيه الإنسان ويتقاسم الخير والشر معه.. وكيف تبني الحب وقيم المحبة والجمال والتسامح وكيف تبني قيمة الإيثار والتضامن والعمل وشرف العمل حتى يفهم هذا الإنسان أن لا كرامة له بلا عمل.. أن تعرف كيف السبيل لبناء كل هذا، ذاك هو الأصل والأساس..
- وما السبيل لذلك ؟
بكل تأكيد عبر القيام بثورة ثقافية حقيقية نراهن من خلالها على الإنسان، باعتباره الثروة والقيمة الحقيقية لتونس..  لكن هذه الثروة للأسف تم التفريط فيها وجعلنا من هذا الإنسان كائنا غير أخلاقي.. جاهلا وغير مثقف وصحّرنا بذلك البلاد ثقافيا..
- وهل تعتبر أن هذا الإنسان المتصحر ثقافيا والمهمّش قادر على صنع ثورة ثقافية حقيقية؟
طبعا، إذا صدقت الإرادة السياسية فتونس ولّادة وليست عاقرا وهي كاسرة الجبابرة وقادرة على إيجاد الإنسان الثائر. لكن يجب عليه أن يستيقظ من سباته ويستفيق من غفوته..
- لو تخبرنا عن أغرب الأشياء التي صادفتك أثناء مسيرتك الفنية والحياتية؟
من اغرب الأشياء أن النخب  في مجتمعنا التونسي سواء كانت ثقافية أو سياسية كأنها غائبة عن الوعي وعن الإدراك، بل لكأنها باتت لا تعرف عدوها اللدود المشترك والذي يتمثل في ثالوث الغول والعنقاء و»العبّيثة»..
الغول هو عصور الانحطاط التي ورثناها والعنقاء هي الجهل، وأما «العبّيثة» فهي التخلف.. هذا الثالوث المرعب الذي يحيط بنا ويحاصرنا ويدمر كل كياننا وكل بنائنا وظاهرنا وباطننا.
 هذا يقتضي تكاتف جهود ومن مجابهة مشتركة وتوحيد قوى النخب الثقافية والسياسية الحقيقية من الوطنيين غير المزيفين، للبحث عن الوفاق في إطار الاختلاف والتسليم بضرورته للاجتماع حول الأهداف المشتركة والتي تتمثل في مقاومة التخلف ومجابهة الانحطاط والقضاء على الجهل..
لكن ما يقلقني هو غياب الوعي عند هؤلاء فهم يتناحرون بينما الانحطاط يزحف علينا و«التخلف يأكلنا والجهل معشعش فينا»..
- عاب عليك البعض مواقفك السياسية من قبيل تمجيد بن علي ومناصرة المرزوقي والتهجم على السبسي، فماذا تقول في هذا الشأن؟
نعم مجّدت بن علي في ما كان يقوله عن الثقافة في خطبه في العيد الوطني ليوم الثقافة.. كان يقول كلاما جميلا عنها ويعلن عن برامج وقرارات وتمشيات لا يمكن لي أن أتغافل عن قيمتها، أو أن أكون ضدها فلا أمجدها ولا أباركها. في المقابل كنت دائم القول في عديد المناسبات، إننا نعيش «سكيزوفرينيا» بين القول والفعل. كما أكدت كثيرا انه لو فعّلنا 10 بالمائة  لما كان يقوله الرئيس بن علي في يوم الثقافة في كل سنة، عندما يستقبل المثقفين لأسّسنا لثورة ثقافية كبيرة. لكن شتّان بين القول والفعل وهذه السكيزوفرينيا السياسية عشناها ومازلنا نعيشها..
 أنا لم ادع يوما أنني كنت مناضلا سياسيا ضد نظام بن علي، كما لم انتم لأي حزب من الأحزاب السياسية ولم يكن لي فعل سياسي أبدا إلا عبر مسرحي الذي يتضمن سياسة الثوابت المناصرة للحرية والمدافعة عن الحق والديمقراطية، والمساواة وحقوق الإنسان وحرية التعبير والمعتقد..
- وبخصوص مناصرتك للمرزوقي؟
لا لم أناصر المرزوقي إنما هم يخلطون بين أن يكون لك احترام وتقدير للدكتور المنصف المرزوقي كجامعي ومناضل لحقوق الإنسان، ومفكر يحمل قيما وبين أن تسانده سياسيا لكي يبقى في القصر.. لقد قلت في ذروة فترة الانتخابات الرئاسية انه إذا كان المرزوقي سيترشح للرئاسة فعليه أن يغادر القصر وقتها حتى يتبارى بمساواة مع من سيرشحون أنفسهم لذات المنصب. كما صدحت مرة أخرى بالقول إن المرزوقي قد اخذ نصيبه فحكم لمدة 3 سنوات، فيكفيه ذلك حتّى نكرس التداول على السلطة كشرط من شروط الديمقراطية التي لا يقبل بها حكام العالم الثالث فهم لا يغادرون مناصبهم وكراسيهم إلا للمقبرة أو بانقلاب يقودهم للسجن..
متى سيتخلص السياسي من هذه الأمراض ألا وهي التشبث بالسلطة إلى آخر رمق والخروج من القصر إلى القبر؟ هذا لن يتم إلا إذا وبالمناسبة، تمت ثورة ثقافية تغير المفاهيم والعقليات؟
- ماذا عن موقفك من رئيس الجمهورية الحالي؟
لقد رأيت في موقف سابق في ذروة الانتخابات الرئاسية أيضا، إن سنّ الرئيس الباجي قائد السبسي، لا تخوله لهذا المنصب. وبما انه حكم ومارس السلطة في عدة مناصب سابقة، كنت أفضّل صعود تونسي آخر لهذا المنصب يكون أكثر شبابا وقدرة على خوض غمار هذه المعركة الرهيبة التي نقبل عليها والتي هي ربما أصعب من بناء الدولة الحديثة..
لكن غيرت موقفي من الأستاذ الباجي قائد السبسي، بعد أن قال الشعب التونسي كلمته وانتخبه ليصبح رئيسي كما هو رئيس كل التونسيين.
مع العلم واني رفضت إحدى دعواته بعد مرور أكثر من شهرين على الانتخابات، وذلك خلال 14 جانفي أثناء الاحتفال بعيد الثورة وهو في القصر..
- ولم رفضت الدعوة؟
لأنني في ذلك الوقت لم أكن مقتنعا به بعد، لكني اقتنعت به منذ أن ذهبت  إلى القصر للحضور في مراسم الحفل الذي قام به بمناسبة أيام قرطاج المسرحية حيث استقبلني بكل رحابة صدر قائلا «أهلا بالمؤسس» على اعتبار إني قد أسست هذه الأيام المسرحية وأدرتها لمدة 10 سنوات. وهو ما دفعني لمنحه تلك القبلة الأبوية على رأسه، والتي حملت بعدا ايتيقيا، وقد جاءت اثر تبادلنا كلاما مفعما بالصراحة والصدق والتقدير.
ولن أخفي القول أني أدركت وتيقنت أهمية قيمة الباجي قائد السبسي في تولي الرئاسة في هذا الظرف التاريخي بعينه. وتقديري للتوافق الذي صنعه مع الشيخ راشد الغنوشي، هذا التوافق الذي أنقذ تونس من حرب أهلية مدمرة كانت ستقودنا إلى بركة من الدماء لو لم يقع هذا التوافق.
- إذن ماذا تقول للأشخاص الذين يعارضون هذا التوافق؟
 هم أشخاص إمّا لهم أغراض سياسوية أو انّ العمى قد أصابهم، فهل أنهم يريدون لتونس أن تصبح سوريا جديدة أو أن تكون عراقا أخرى أو يمنا وليبيا آخرين؟
 لقد أرسل الله لتونس الباجي قائد السبسي والشيخ الغنوشي وبقية قوى الخير من الرشّد والحكماء لكي يجنبها بحر الدماء والأشلاء والقتل والدمار ونجابه هؤلاء الدواعش المتطرفين وغيرهم من المخربين ومن الكفرة، فبالنسبة لي الدواعش كفرة لأنهم يتكلمون باسم الرب والإله والله لم ينوبهم في شيء، ولم يعطهم صك الغفران حتى يتولوا هم النيابة عنه وهو الحق والحب والخير والتسامح والجمال وليس القتل والتقتيل والرعب..
- ماهي علاقتك بالحياة والموت؟
نحن جئنا لكي نذهب وأنا أسأل دائما عن الفرق بين الحياة والموت.. فلا احد منّا يعرف ذلك وربما تكون الحياة وهما، والموت واقعا ماديا ملموسا أكثر من الحياة. وربما يكون حياة أخرى أجمل وانفع وأريح..
 وبصراحة فإنّ الحياة اليوم لم تعد تعجبني ولا تروق لي بعد أن عشت أجمل الفترات في ما يسمى بالزمن الجميل، خلال عهد الستينات والسبعينات عندما كانت الحياة أجمل وأفضل وأحسن. وقتها كان هنالك مشروع بناء دولة وتحرر وطرد للاستعمار، حين وقع إنتاج الذات التي استفاقت على ذات موضوعية انخرطت في مشروع بناء حضارة وثقافة ومجتمع إنساني عظيم ركزه الزعيم الحبيب بورقيبة على الثقافة والتربية..
كما انه ليس هنالك رئيس دولة أو زعيم في العالم الثالث أو حتى في العوالم الأخرى كان قد خصص خطابا رسميا لوضع منهاج المسرح لتامين شروط نهضة مسرحية، مثل ما فعله الحبيب بورقيبة في خطابه بتاريخ 7 نوفمبر 1962 حيث انه قد علم أن المسرح هو روح وخلاصة الثقافة وفن جامع بين كل الآداب والعلوم..
- وماهي علاقتك بالمرض؟
المرض صعوبة من الصعوبات التي تجابهنا وينبغي أن نتصارع معها، باعتبار أن الحياة صراع منذ الولادة حتى المغادرة.. وأنا أحب الموت ولا أخشاه لأنني انتظر اكتشاف عوالم أخرى وكلي شوق لرؤيتها واكتشافها..
وبالنسبة لي انّ من يموت هو الحيوان، أما الإنسان فلا يموت أبدا خاصة ان ترك أثرا يخلّده من بعده..  وفي اعتقادي فإن ثمار الجهد الذي  تركته من عملي ربما ستكون أثرا ويصبح خبرا يخلّدني من بعد. لذلك نحن الفنانون لا نموت..
 - لو تحدثنا في ختام هذه المصافحة عن مشاريعك المستقبلية..
سأعيد إخراج وتقديم مسرحية «النمرود» التي كنت قد أخرجتها سنة 2008 وهي تعرض للموسم الثامن على التوالي في عدة بلدان عربية علاوة على عرضها في عدة دول أوروبية. وهي مبرمجة ليوم 27 أفريل بإشبيلية بإسبانيا ويوم 30 أفريل بمدريد.
 وبعد هذا سوف أعلن عن مفاجأة كبيرة لعمل مسرحي جديد، يكون فيه تعاون بيني وبين صديق عزيز علي، سأعلن عنه في الإبان..

حاورته: منارة تليجاني